فرعون موسى بين الحقيقة والخرافة الجزء التاسع والأربعون

كان هذا جملة ما قاله السحرة لفرعون حينما هددهم وتوعدهم بأنه سوف يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ( أي يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى والعكس) وأنه سوف يصلبهم على جذوع النخل بقوله
﴿ ولأصلبنكم في جذوع النخل . [طه : 71 ]
وهنا لابد من وقفة لنوضح بعض الأشياء الهامة .
حقيقة سحر السحرة وهل فرعون كان ساحراً ؟ :-
جاء في تاريخ ابن خلدون الجزء الأول صفحة 552 طبعة بيروت 1995
 (النفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها : فأوله المؤثرة بالهمة فقط من غير آله ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر
   
والثاني بعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه الطلسمات ، وهو أضعف رتبة من الأول والثالث تأثير في القوى المتخيلة . يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظرها الراءون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة
من الفقرة السابقة يتضح أن السحر الذي استخدمه السحرة مع سيدنا موسى عليه السلام كان سحر تخيلات أي أضعف أنواع السحر لأنهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم ومن أحداث القصة كما جاءت في القرآن الكريم نجد أن فرعون كان ساحراً عظيماً أيضاً بل إنه كان أقوى السحرة في مصر ؟؟؟ لماذا ؟
لابد أن يكون فرعون ساحراً حتى يستطيع أن يفرق بين السحر وبين المعجزة إذ أنه لو لم يكن ساحراً لما استطاع تفريق المعجزة التي جاء بها موسى عليه السلام عن السحر وبذلك سيكون جاهلاً ولا يستحق عقاب الله له لأن الله سبحانه حين يرسل رسولاً يرسله بآية تكون من نفس صناعة الذين يدعوهم كأن أرسل سيدنا عيسى عليه السلام بآية إبراء الأكمة والأبرص وكان قومه حين ذاك ماهرين في صناعة الطب .ولما كان العرب أهل اللغة العربية وأصحاب القصاص والشعر حتى أنهم كانوا يقيمون لها أسواقاً كل عام كسوق ( عكاظ ) مثلاً أرسل الله إليهم معجزة من جنس صناعتهم وهي (القرآن الكريم )
ولذلك حينما يرسل المولى عز وجل موسى عليه السلام لابد أن يرسله بآية من جنس صناعته حتى يتيقن أنها تفوق صناعته وتعجزها لأنها من عند الله سبحانه .
الشيء الآخر الذي يجعلنا نسلم بأن فرعون كان أسحر أهل مصر هو:
أنه حينما آمن السحرة بالله عز وجل قال لهم مهدداً : ﴿ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف فماذا قال له السحرة ؟ ؟؟ ﴿ قالوا لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون .
لماذا استكان السحرة لتهديد فرعون ولماذا أيضاً لم يصنع السحرة سحراً يخيفون به فرعون حتى لا يقطع أيديهم وأرجلهم لماذا عجز السحرة عن أن يخيلوا لفرعون ما خيلوه لموسى ولأهل مصر مع العلم إن هؤلاء السحرة كانوا من أمهر السحرة في مصر ويدلنا القرآن على ذلك في قول الله تعالى : ﴿ قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين * يأتوك بكل ساحر عليم [الأعراف : 111 – 112 ]
من هذه الآية يثبت أن هؤلاء السحرة كانوا عالمين بالسحر وهناك آية أخرى تدل على أن سحرهم هذا ليس بهين ولكنه عظيم وهي قوله
تعالى : ﴿ قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم [الأعراف : 116 ]
فلماذا أسقط في أيد السحرة ولم يفعلوا سحراً آخر عظيم يرهبون به فرعون وهامان ؟ ذلك لأن فرعون كان عالماً بدروب السحر بل وإنه أمهرهم في هذه الصناعة .
الدليل الثالث حينما تبع فرعون بني إسرائيل في البحر كما سيأتي لاحقاً لو أن فرعون كان ممن يجهل السحر وكان يصف موسى عليه السلام بالساحر, فحينما يضرب موسى عليه السلام البحر فينفلق البحر فإن فرعون لو لم يكن له دراية بالسحر لقال إن هذا سحر ولن يدخل في البحر فلما علم فرعون بأن هذا لم يكن سحراً اقتحم هو وجنوده البحر   (والله أعلم ) .
كنا قد وقفنا في قصتنا عند تهديد فرعون للسحرة وأن السحرة لم يستمعوا إلى تهديد فرعون وأصروا على عدم الشرك بالله . وراح كبار مصر وأمراؤها يحرضون فرعون على موسى عليه السلام وعلى بني إسرائيل : ﴿وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون  
[الأعراف : 127]
وأراد فرعون أن يغوي قومه أكثر وأكثر ويبين لهم أنه حريص عليهم من أن يضلهم موسى . ﴿ وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني اخاف أن  يبدل دينكم أو أن يظهر في  الأرض الفساد  [غافر : 26]
فلما سمع ذلك موسى عليه السلام قال :

﴿ وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [غافر : 27 ]
الجزء الخمسون من هنا                                الجزء الثامن والاربعون من هنا 
فرعون,فرعون موسى,تاريخ الفراعنة,الفرعون,موسى وفرعون,الأثار الفرعونية
التالى
السابق
اضغط هنا للتعليقات

0 التعليقات: